الاثنين، 2 سبتمبر 2013

#قصة_إحتواء_الآباء (بسمه)








يحكى أنه قد كانت طفلة تدعى (بسمة)، كانت بسمة جريئة نوعًا ما ، جريئة .. لكنّها لا تتعدّى حدود الإحترام.. تحاول دومًا إكتشاف ما هو جديدٌ من حولها، أو أي أمور لا تعلم عنها ..!

ذكية..! ، قريبة لأمها أكثر من أبيها .. لكثرة إنشغاله خارج بالعمل و السفر خارج البلاد ، حتّى أنه إذا أطال الإقامة في المنزل..ظلّ منعزلٌ عنهم ، في غرفته وحيدًا..



يسمعونه يتحدّث مع أصحابه في الهاتف ضاحكًا، بعالي الأصوات ، يداعبهم لكي يحصل على ما يريده ،أو لترقيةٍ في عمله! ..

بدأوا يفتقدونه بينهم .. و طال الفقد ،حتّى إعتادوا ذلك ..! ، بدأ يكره وجودهم حوله ..ضجيجهم ..و مداعبتهم له ، بدأ يكره أن ينصت لطفلته بسمة ،و يعطيها من وقته لتحكي له عن رحلتها اليومية القصيرة إلى المدرسة !!

هكذا بدأت تتشتّت العائلة .. بدأت الزوجة و الطّفلة ..يحنّون له بحجم فقدانهم له ! .. بدأ هو يتضجّر من صوتهم ، ووجودهم من حوله ؛ بعد أن اعتاد العزلة ، و الهدوء التّام ..



في كل حين تزداد هذه الحالة السّيئة سوءًا !! .. و تهاونًا !! .. تهاونًا من الأب .. و خوفًا من الزّوجة .. و براءةٌ من هذه البسمة الصّغيرة .. حتّى سيطر هذا التهاون على الجميع ، و تمّ الحال بهذا السّوء ..!



و في يومٍ مشرق هو صباحه : ) ، استيقظت الأُمّ كعادتها باكرًا ؛ لإعداد طعام الإفطار لبسمة ,,بعد إيقاظها للذّهاب إلى المدرسة ...

استيقظت بسمة في ذلك الصّباح المشرق في قمّة نشاطها !

فقد كان اليوم الذي تنتظره بفارغِ صبرها ،و تعدّ له من أيّام ..، كان حفل مدرسي؛ يوم مخصّص للأب حيث تقوم كل طفلة بتنسيق هدية على أي شكل كان و تقدمها بطريقتها الخاصة لأبيها في هذا اليوم ..!



و من ضمن فعاليات هذا اليوم خُصِّصت فقرة (مسابقة ) ،يقُمنَ بها المعلمات بإلقاء سؤال يتنافسن به الصّغيرات بأبدَعِ إجابة ، حاصلة فيها على شهادة ..!

كان ما قد أعدّته بسمة لأبيها هو مقالٌ قد كتبته تتحدّث به عنه ..!

دقّ جرس انتهاء الحصّة الثالثة ،في تمام السّاعة 9:30 صباحًا ، و بدأ الحفل ..





كان المسرح كبير جدّا، مسلّطةٌ عليه الأضواء ..مليء بالكراسي.. و كانت تفصل الفقرات ستارةٌ حمراء مُخمليّة ..!

تُخبّئ خلفها إبداعات نابعةٌ من زهراتٍ صغيرات ..

بدأ الحفل وبالأناشيد و التّراحيب .. ثمّ  فقرة تلوَ الأخرى ... حتى جاءت فقرةٌ تتلهّفُ بسمة لها ..!



فقرة : ( رسائلنا لِآبائنا ) ...


تقدّمت،   أروى ...... عبير ..... و حسناء !! ،  ثم جاء دور  (بسمة) !!

كان الحضور يصفّق بحرارةٍ لتحفيز الصغيرات ..

تقدّمت نحو المايكرفون بثقة .. و بدأت تقرأ ما كانت تعدّه لأيّام ، بحرص تامّ .. :

 ...........................................................


إليك ... أُهدي قلبي ، خذه بعنايةٍ و اقرأ مابه ...!

خذه و تأمّل .. إن لم يعجبك ردّ قلبي إلَيّ ، و إن أعجبك .. فخذه معك .. افتحه كل يومٍ و استشعر ما قد كتبت به ، اقرأ ما به من سرٍّ دفين !

إقرأ: أحبك .. أنت جنّتي ،، أنت أوّل بطلٍ في عمُري .. أنت فخري و عزّي بدنياي ، أنت كل هذه الدّنيا في عيني ..!

لا تجعلني أشعر بفقدك .. أنا أردتك ليَ الحضنَ الدّافئ ، و القلبَ الحنون .. أردت منك أن تكون نبعُ حنانٍ لا يجفّ ، اجده عند حاجتي له !!

أنت أبي الغالي ، و حبيبي ... و مناي ..! 

طفلتك/ * بسمة  *


...........................................................



انتهت بسمة  و ابتعدت عن المايكرفون ، صفّق لها الجميع بحرارةٍ و اندهشوا مما قدّمته ،!! فقليل ممن هُنّ بعمرها .. يتقن الكتابة ، و الظهور أمام جمهورٍ بجرأة و ثقة دون تردّد و خوف !!

تفوّقت على زميلاتها في هذه الفقرة ، و حصلت على الشّهادة ..

في خطوات عودتها إلى المنزل ،، كانت تتشفّق لنظرة الفرحة في عين أمها.. تنتظر قبلاتٍ على الجبين .. تريد أن تشعر بالفخر ..!

وصلت إلى المنزل، و دقّات قلبها تسبق خطواتها الصّغيرة ،.. استقبلتها أمّها باحتضانٍ دافئ .. عانقتها بشدّةٍ و همست : " أحبّك أمّي .."

قالت لها أمها: " كم أنا فخورةٌ بكِ يا بسمتي .. " .



قالت بسمة لأمها : هل أذهب لأبي .. أم هو مشغول الآن ؟؟  .. سألتها بكل براءة هذا السؤال ، فقد كانت في كل يومٍ تصبِح بهِ ..تنسى ما مضى في الأمسِ ، من مآسي.. و إن مرّ على ذاكرتها مرير واقعها اليائس ..!

تتناساه بقلبِ طفلةٍ ، و عقلُ بالغٍ حكيم ...

قالت لها أمها : إذهبي ، و ثقي بأنه سيفرح كثيرًا بإنجازك هذا ..

ذهبت بسمة و هي مليئة بالتفاؤل ، تتردّد ثم تجبر قلبها على المُضيّ .. تريد أن ترى السّعادة على وجه أبيها.. تريد أن تشعر بافتخاره بها ..!

مضت قُدُمًا و كلها أملًا بأن أبيها سيفرح و يخبرها حلو الكلام من افتخاره بها و سعادته ..

 طَرَقت الباب ..! و ظهر صوته الأبحّ : ( من يطرق الباب ؟؟!)

فتحت بسمة الباب رويدًا رويدًا .. فقالت : أبي .. أتيت لك بفرحةٍ أهديك إياها ..!

قالت هذه الجملة بعد تردّد .. و لكن عزمها لم يخمد للحظة ..!

عندما رآها بلباس المدرسة ، حاملة حقيبتها على ظهرها .. ترك الأوراق من يديه ، و نظر إليها باستغراب !!

سكت.. ،..و ظلّ الهدوء يسري في أرجاء الغرفة ! .. تقدّمت بسمة و أعطته الورقة !

قرأها ، و بانت على وجهه ملامح الدّهشة ! ، رفع رأسه و نظر إليها باستغراب ..!

كانت بسمة متخوّفة من ردّة فعل والدها ، كانت حذِرةَ بخطواتها تجاهَهُ ، ..  و لكن بشجاعتها ... قاومت خوفها ..

إقترب أبيها منها .. و احتضنها ..، كانت مستغربة من ردّة فعله و لكنّها عانقته بشدّة بعدها ..

تمتم لها أبيها : " آسف يا بسمتي ..! "




كان هذا أول احتضانٍ لبسمه من والدها ، كان هذا الإحتضان من قلب متألّم .. مُتحسّر .. و متندّم ..

على كل ما فات من سنين لم يذُق بها طعم الحُب ..

لم يذق منها طعم الإحتواء ..!

لم يذُق سوى مرير البِعاد .. و الإنطواء .. !

هكذا عادت حياتهم ببسمة .. تملأ البيت .. و تغمرهم  : )

من بعد بسمة يبرق منها ثغرِهِمُ ..


" فلنحتوي أبنائنا في صغرهِم  .. كي يحتوونا عند حاجتنا لهم في كبرنا "