يحكى أنه قد كانت طفلة تدعى (بسمة)،
كانت بسمة جريئة نوعًا ما ، جريئة ..
لكنّها لا تتعدّى حدود الإحترام.. تحاول دومًا إكتشاف ما هو جديدٌ من حولها، أو أي
أمور لا تعلم عنها ..!
ذكية..! ، قريبة لأمها أكثر من أبيها .. لكثرة إنشغاله خارج بالعمل و
السفر خارج البلاد ، حتّى أنه إذا أطال الإقامة في المنزل..ظلّ منعزلٌ عنهم ، في
غرفته وحيدًا..
يسمعونه يتحدّث مع أصحابه في الهاتف ضاحكًا، بعالي الأصوات ، يداعبهم
لكي يحصل على ما يريده ،أو لترقيةٍ في عمله! ..
بدأوا يفتقدونه بينهم .. و طال الفقد ،حتّى إعتادوا ذلك ..! ، بدأ
يكره وجودهم حوله ..ضجيجهم ..و مداعبتهم له ، بدأ يكره أن ينصت لطفلته بسمة ،و
يعطيها من وقته لتحكي له عن رحلتها اليومية القصيرة إلى المدرسة !!
هكذا بدأت تتشتّت العائلة .. بدأت الزوجة و الطّفلة ..يحنّون له بحجم
فقدانهم له ! .. بدأ هو يتضجّر من صوتهم ، ووجودهم من حوله ؛ بعد أن اعتاد العزلة
، و الهدوء التّام ..
في كل حين تزداد هذه الحالة السّيئة سوءًا !! .. و تهاونًا !! ..
تهاونًا من الأب .. و خوفًا من الزّوجة .. و براءةٌ من هذه البسمة الصّغيرة .. حتّى سيطر هذا التهاون على
الجميع ، و تمّ الحال بهذا السّوء ..!
و في يومٍ مشرق هو صباحه : ) ، استيقظت الأُمّ كعادتها باكرًا ؛
لإعداد طعام الإفطار لبسمة ,,بعد إيقاظها
للذّهاب إلى المدرسة ...
استيقظت بسمة في ذلك الصّباح
المشرق في قمّة نشاطها !
فقد كان اليوم الذي تنتظره بفارغِ صبرها ،و تعدّ له من أيّام ..، كان
حفل مدرسي؛ يوم مخصّص للأب حيث تقوم كل طفلة بتنسيق هدية على أي شكل كان و تقدمها
بطريقتها الخاصة لأبيها في هذا اليوم ..!
و من ضمن فعاليات هذا اليوم خُصِّصت فقرة (مسابقة ) ،يقُمنَ بها
المعلمات بإلقاء سؤال يتنافسن به الصّغيرات بأبدَعِ إجابة ، حاصلة فيها على شهادة
..!
كان ما قد أعدّته بسمة لأبيها
هو مقالٌ قد كتبته تتحدّث به عنه ..!
دقّ جرس انتهاء الحصّة الثالثة ،في تمام السّاعة 9:30 صباحًا ، و بدأ
الحفل ..
كان المسرح كبير جدّا، مسلّطةٌ عليه الأضواء ..مليء بالكراسي.. و كانت
تفصل الفقرات ستارةٌ حمراء مُخمليّة ..!
♡تُخبّئ خلفها إبداعات نابعةٌ من زهراتٍ صغيرات ..
بدأ الحفل وبالأناشيد و التّراحيب .. ثمّ فقرة تلوَ الأخرى ... حتى جاءت فقرةٌ تتلهّفُ بسمة لها ..!
فقرة : ( رسائلنا
لِآبائنا ) ...
تقدّمت، أروى ...... عبير ..... و حسناء !! ، ثم جاء دور (بسمة) !!
كان الحضور يصفّق بحرارةٍ لتحفيز الصغيرات ..
تقدّمت نحو المايكرفون بثقة .. و بدأت تقرأ ما كانت تعدّه لأيّام ،
بحرص تامّ .. :
...........................................................
إليك ...
أُهدي قلبي ، خذه بعنايةٍ و اقرأ مابه ...!
خذه و تأمّل .. إن لم يعجبك ردّ قلبي إلَيّ ، و إن أعجبك .. فخذه
معك .. افتحه كل يومٍ و استشعر ما قد كتبت به ، اقرأ ما به من سرٍّ دفين !
♥إقرأ: أحبك .. أنت جنّتي ،، أنت أوّل بطلٍ في عمُري .. أنت فخري و
عزّي بدنياي ، أنت كل هذه الدّنيا في عيني ..!
لا تجعلني أشعر بفقدك .. أنا أردتك ليَ الحضنَ الدّافئ ، و القلبَ
الحنون .. أردت منك أن تكون نبعُ حنانٍ لا يجفّ ، اجده عند حاجتي له !!
أنت أبي الغالي ، و حبيبي ... و
مناي ..!
طفلتك/ * بسمة *
...........................................................
انتهت بسمة و ابتعدت عن المايكرفون ، صفّق لها الجميع
بحرارةٍ و اندهشوا مما قدّمته ،!! فقليل ممن هُنّ بعمرها .. يتقن الكتابة ، و
الظهور أمام جمهورٍ بجرأة و ثقة دون تردّد و خوف !!
تفوّقت على زميلاتها في هذه الفقرة ، و حصلت
على الشّهادة ..
في خطوات عودتها إلى المنزل ،، كانت تتشفّق
لنظرة الفرحة في عين أمها.. تنتظر قبلاتٍ على الجبين .. تريد أن تشعر بالفخر ..!
وصلت إلى المنزل، و دقّات قلبها تسبق خطواتها
الصّغيرة ،.. استقبلتها أمّها باحتضانٍ دافئ .. عانقتها بشدّةٍ و همست : " أحبّك
أمّي .."
قالت لها أمها: " كم أنا فخورةٌ بكِ يا بسمتي .. " .
قالت بسمة
لأمها : هل أذهب لأبي .. أم هو مشغول الآن ؟؟
.. سألتها بكل براءة هذا السؤال ، فقد كانت في كل يومٍ تصبِح بهِ ..تنسى ما
مضى في الأمسِ ، من مآسي.. و إن مرّ على ذاكرتها مرير واقعها اليائس ..!
تتناساه بقلبِ طفلةٍ ، و عقلُ بالغٍ حكيم ...
قالت لها أمها : إذهبي ، و ثقي بأنه سيفرح
كثيرًا بإنجازك هذا ..
ذهبت بسمة
و هي مليئة بالتفاؤل ، تتردّد ثم تجبر قلبها على المُضيّ .. تريد أن ترى السّعادة
على وجه أبيها.. تريد أن تشعر بافتخاره بها ..!
مضت قُدُمًا و كلها أملًا بأن أبيها سيفرح و
يخبرها حلو الكلام من افتخاره بها و سعادته ..
طَرَقت
الباب ..! و ظهر صوته الأبحّ : ( من يطرق الباب ؟؟!)
فتحت بسمة
الباب رويدًا رويدًا .. فقالت : أبي .. أتيت لك بفرحةٍ أهديك إياها ..!
قالت هذه الجملة بعد تردّد .. و لكن عزمها لم
يخمد للحظة ..!
عندما رآها بلباس المدرسة ، حاملة حقيبتها على
ظهرها .. ترك الأوراق من يديه ، و نظر إليها باستغراب !!
سكت.. ،..و ظلّ الهدوء يسري في أرجاء الغرفة !
.. تقدّمت بسمة و أعطته الورقة !
قرأها ، و بانت على وجهه ملامح الدّهشة ! ، رفع
رأسه و نظر إليها باستغراب ..!
كانت بسمة
متخوّفة من ردّة فعل والدها ، كانت حذِرةَ بخطواتها تجاهَهُ ، .. و لكن بشجاعتها ... قاومت خوفها ..
إقترب أبيها منها .. و احتضنها ..، كانت
مستغربة من ردّة فعله و لكنّها عانقته بشدّة بعدها ..
تمتم لها أبيها : " آسف يا بسمتي ..! "
كان هذا أول احتضانٍ لبسمه من والدها ، كان هذا الإحتضان من قلب متألّم
.. مُتحسّر .. و متندّم ..
على كل ما فات من سنين لم يذُق بها طعم الحُب
..
لم يذق منها طعم الإحتواء ..!
لم يذُق سوى مرير البِعاد .. و الإنطواء .. !
هكذا عادت حياتهم ببسمة
.. تملأ البيت .. و تغمرهم : )
من بعد بسمة
يبرق منها ثغرِهِمُ ..