الثلاثاء، 6 أكتوبر 2015

عنِ البدايات..





تُعرف البدايات دائمًا بهدوئها -في أغلب القصص التي نسمعها حين تُحكى-.. أمّا النّهايات فغالبًا ما تنتهي بجمال!

سأحدّثكم عن قصّتي..

بداياتي البعيدة كانت سريعة.. أي أنَّ هدوءها أيضًا كان سريع.. لكن هذا لا يُبيح لي نكران جماله.. السّريع أيضًا!

بداياتي كانت مختلفة.. كانت جريئة بكسرها للقواعد..

تتجاذب الأطراف رغم تشابهها.. تخاف الخوف و ترتكب ما تخشى عواقبه متجاهلةً التفكير..

 

التّناقض، هذا الشيء المليء.. باللاشيء!

الذي يُستحب كرهه، و يُكره حُب من يتّصف به..

 

لكنّ بداياتي كانت تتّصف بتناقضٍ يجعلني أحبّها.. كان تناقضها يختال الجمال و يجعلني أُحِسُّه!

كنتُ أشعر به فعلًا.. و في الوقت ذاتهِ كنتُ أُصارعُ داخلي كي أستمتع بغرابة جمالها، وألّا آبه بكُرهي للتناقضِ ذاته..

 

كانت تُقسم بالله أنها تكره الكذب، ثُمَّ تكذب لصالح نفسها..

مُدركةً أنها تكذب.. لكنّها تُدرك أيضًا ألّا سبيلَ للنجاةِ –الآنَ- إلّا في كذبها.. و عليها هُنا أن تُراعي تعبيرها لحظة الكذب

و هذا يتطلّب مجهود مُسبق و تدرُّب على إتقان هذا.. كي تتحقق مصلحة النّفس فيه..

 

كانت تدعو لأهمّية الوقوف أمام كل عقبة حتى تصبح خلفها.. و لا تلتفت، و إعلاء صوت ما تريد على كل صوت..

كانت تُحيي الخيال، و تزيد بيت الأماني اتّساعًا و لا تضع له سقف.. لكنّها كانت تقتله حينما تُحِسُّ بأنّه اقترب على ضفّةٍ سيّئة.. قد لا تكون سيئةً و لكنّها تراها كذلك لمجرّد أنها لا تريدها.. 

 

كانت ترى الأيّام هِبةً لابُدّ أن يُشكر الواهب عليها بأن تُملأ بكل ما يرغمنا على إبقائها ذكرى سعيدة، غير قابلة للنّسيان.. ثُمّ كي تنتهي بنهايةٍ يكون مآلها كمآلِ التّفاصيل.. إلى الذاكرة!

 

كانت متيقّنةً بأن القادم لن يكون إلا كما تريد، و كما تخطط هي له..

كانت تدعو دائمًا ألّا تعبث الأقدار بأمانيها و  يحدث ما لا تريده.. ثُمّ تضطر حينها إلى الإستسلام.. كانت ترعبها هذه الفكره!

لم تكُن قادرة على التّفريق بين ما تريده.. الذي سوف يكاد أن يصل بها الأمر إلى المَوت سعيًا و جهادًا للوصول إليه، و بين الخير الذي قد يكون -بكل بساطةكل شيء سوى ما تريد..

كانت تخشى نهايتها..

 

و انتهت البداية.. بهذهِ السّرعة!

تفاصيلها كانت تُشبه كثيرًا الإختناق الأحمر.. الشعور الذي يأتي على هيئة الموت بعد اليأس من النّجاة.. في نهاية الغرق..

لستُ أدري لماذا بَرَقَ هذا الشعور بعد أن انتهت البداية!

 

عمومًا.. فهذي البداية و انتهت.. أمّا عنِ التفاصيل ما بينها و بين النهاية.. فباهتة.. و لا أحبّذ ذكرها..

لكن من باب السّرد.. كانت مليئة بكل شيئ.. و أظنُّ هذا ليس بالأمرِ الجميل..

كان مُتعِب جدًا.. مُهلِك.. شبيه بالإستسلام للموت بعد يقين وقوع إصبعه عليك في لعبةٍ عشوائية الاختيار..

 

و بالفعل استسلمتُ –مَوتًا- لأشياء كثيرة كنتُ أخطط كثيرًا لكي لا تحدث إيمانًا بأنها الشيئ الذي يُطلق عليه "الخَير" بعد الدعاءِ و الصلاة.. بعد التّعب!

الجميل أنّ الله حواني بالرّضا.. ما زلتُ أعيشُ ما لا أريدهُ.. و لا زال الله يُرضيني.. و يُطلِعني على القليل من الآتي الجميل!

 

في أثناء هذا.. كثيرًا جدا ما كان يباغتني شعورٌ كالإعصارِ في قلبي.. كالصّريرِ المؤلمِ فيه.. كثيرًا ما كانت تعبث المشاعر بقلبي.. و هذا جعلني أُدرك حقيقة معناه..

هو ليس إلّا قلب.. لا يبقى على حالٍ ثابت.. و لابُدّ له أن يوفي لمعناه!

 

هذه المشاعر الكثيرة التي كانت تزدحم فيه -فِيَّ-.. كانت تأتيني في كل لحظة أُصاب بها باستيعابٍ جديدٍ أنني استسلمت.. و أنني أعيش ما لا أريد.. و ألّا سبيل لي سوى كل هذا الشّتات..

كان يؤلمني كثيرًا عمري الذي راح تخطيطًا لأن لا يحدث كل ما يحدث الآن..

كنت أتمنى الموت.. ثُمّ  أستغفر تشبُّثًا بعمريَ الذي أوقن بأنه جميل.. و لكنني لم أعِش هذا الجمال.. و أوقن أن الله أجّلَ رؤيتي له بعد حينٍ..و لسببٍ ما.. لا أدري ما هو.. ولكنّي سأعلم يومًا، و أفرح

 

هُنا.. كان شعور الـ "رُبّما" دائمًا يقين.. 

كنت أشعر أنني كتلةٌ رُشَّت بمُبلّدٍ.. حتّى تشبّعت..

كان كلّ شيءٍ فيني ميت.. لا أدرك سوى ثلاثًا رُبّما..

الأوّل.. أن أرى الكلّ يتلقّف أمري من الآخر و يضفي عليه ما أراد و يعدّل ما يراه يحتاج إلى تعديل.. و يعبثون كثيرًا حتى أصِل إلى الشكل الأحسن –بمقاييسهم-.. و بالطّبع أنا في الهامش

الثّاني.. أنني كنت أُصِرُّ على شعورٍ لم يكُن ظاهرًا لهم و لم يستطِع أحدًا منهم قراءته.. و هو أنّني أشعر بالتّقزز تجاه ما يفعلوه بي دون حِراك منّي ولا كلام..  رغم أنني أدرك أنّي تحت تأثير المُبلِّد!

و الثّالث.. أنني كنت مؤمنةً رغم كلّ هذا الشعور الذي كان يُصارع التبلُّد المُميت.. أنني أعيش الآن ما لا أريد.. حتّى يحدث ما أريد.. ولو بعدَ حين 

كنت أدرك أن ما أريده سيحدث، و لكن بالطّريقة التي لا أريدها، و أدرك استسلامي لهذا، و لِمَ استسلمت..

كنت جسدًا.. و فقط جسد!

 

كنت أخشى بعد هذا أن أعود كما يريدوا أن أكون، كنت أخشى أن تكون بلادتي ذات أثر رجعي عليّ، أخشى أن تهدم كل ما أمضيت عمري لبنائه و لتصحيح كل ما اكتشفت فيني من أخطاء.. كنت أخشى أن أعود من النورِ إلى الضلال!

 

كنتُ وكنتُ.. و لا زلت! 

لكنّي استفدت شيئًا جميلًا من أمي..  كانت كثيرًا ما تُداري ما تبقّى منّي بلُطفٍ عظيم.


الآن تقترب النهاية.. بلا ملامحٍ صريحة، بلا شعور، وبلا أيِّ احتمال..

و أظنني قويّة بما يكفي لمواجهة المفاجآت باللّاشعور..

و رغم قربها الغريب هذا.. لا يسعني فعل شيء سوى أن أفلِتَ الأماني كي تحلّقُ فوقي.. و أترقّب المطر كلّ يوم.. رغم عِلمي بأن الغيوم تُفرّق.. 

 

و إنهاءً لكل هذي الثّرثرة..  سأُطلق أُمنية

بعد أن تجمّعت الأماني يومًا و تراكمت حدّ الاختناق، و تصبّرنا كِلانا بنا، ثمّ أفلتُّها أنا و طارت بين الغيوم..

أمنيتي ألّا تتعلّق هناك.. أتمنّى أن تعودَ لي على هيئةِ مطر.

إليها..
أنا هُنا أنتظركِ..و أستمطر
فعودي إليَّ مطرًا.. ثُمّ إيّاكِ أن تؤذيكِ الرعود.

الخميس، 1 أكتوبر 2015

سِرُّ الحمام..





هل لي بعَيشِكَ؟ فالذين أحبُّهم
عاثوا بقلبي.. أحيَوا الآلامَ

إنّ المحبّةَ فيكَ قلبًا واحِدًا
أجرًا، و أكسبُ -فيهِمُ- الآثامَ

"ليت الذي بيني و بينكَ عامرٌ"
ليت الذي بيني و هُمْ هدّاما

أفنيتُ عُمري كي أنالَ رضاهمُ
حتّى عُميتُ فحطَموا الأحلامَ

و مضت حياتي مثل سرٍّ بيننا
لا زالَ طيرًا أبيضًا كحمامًا

ارفق بهِ يا مُحييِ القلبَ الذي
 قد مات في كلِّ الحياةِ و هامَ

ثُمّ اجمعِ الأحزانَ في حفلِ الصِّبا
و اقرأ عليها.. و انفُثِ الأحلامَ

و اعقد على حلمِ الحياةِ قِرانهُ
و استحضر الأفراح.. عِشهُ هيامًا

إنّ التعقُّلّ في الهيامِ فإننا
إن لم نُهِم بالحُلمِ من ذا هامَ؟