الأحد، 25 يناير 2015

حديثُ الّليل ..




قد جاءَ ليلٌ ذاتَ يومًا يشتكي
و بدا بطَرفِ العَينِ ضَوءُ بُكاءِ

فسألتهُ: ليلاهُ ماذا قد جرى؟
و لِمَ أرى عينَيك في إعياءِ؟!

فتنهَّد الليلُ الحزينُ و لَم يقُل
إلّا تناهيدُ افتقادِ وفاءِ!

فتقدَّمت روحي إليهِ بقهوةٍ
و مسدتُ فوقَ ظفيرتي الشّقراءِ

و نفثتُ من روحي بها فتعانقتْ
أنفاسُ عِشقٍ مع دموعُ بُكائي

فلثمتُ هذا الكوبَ ثمّ أذاقني
مُرّ الكلامِ بقطرةٍ سوداءِ

رُغمَ التّفاؤلَ قد ذرفتُ مدامعي
صارت دموعي تُرجُمانَ شقائي

كم كنتُ أبغي أن أقولَ حكايتي
لِلَّيلِ لكن دمعتي خرساءِ

الحُزنُ سوطٌ كمْ يُعذِّبُ أهلَهُ
و يُهذِّبُ الأشواقَ بالإحياء

الخميس، 22 يناير 2015

النُّتفةُ الشَّقراء



النُّتفةُ الشّقراء..
جمالُها ضِياء
ثقيلةٌ و تتَّكِّئ على متنِ الزّمان!
إذا أتَتْني تستعِدُّ كي تُبدي الحَديث
تُداري في حديثُها كثيرُ الانتظار!
و تقترِب إلَيّ..
تقولُ: "كم أشتاقُكِ"، و تحمرُّ الخُدود!
أقولُ: "قبّليني كي أستوعبُ الكلام!"
فتقترِب.. و تقترب..
كأنّها مُدرّبة على فنِّ الحنان!
فتأتِني بقُبلةٍ بريئةٍ.. رقيقةٍ
ولا أُقاوِمُ الأنينَ بعدها.. فقد يُغشى علَيّ!

و زُرقَةُ العُيون..
أهيمُ فيها إن بكَت دُموعها ضِياء!
لماذا يا عيون الشّمسِ أسهبتي البُكاء؟
أما ترَينَ أنّ الدّمعَ يحرقُ العيون؟!
عيونكِ كمأوى أو كسُكنى للجمال..
إذا بكَيتِي فالدّموعُ تحرقُ الجمال!
أترضَينَ الحريق؟!
تناسَي ذا البُكاء..
وجفّفّي الدّموعَ.. لكي يحيى الجمال.

الجمعة، 16 يناير 2015

الحُزنُ فنّ.. و الفنُّ حُزنْ!




بينَ الآن و بعد قليل.. و بين الحُلم و اليقَظة..
كانت تحلُمُ بأجملِ حلم.. كانت تتسائل مع ذاتها.. أحقًّا هذا حُلم؟
و إن كانَ كذلك.. فإلى أي مدًى من السّوءِ هي الحقيقة؟
كانت تظن أنَّ الحُلم لا ينتهي.. لكنّهُ انتهى.. ليس بإرادتها.. ولا بإرادته.. بإرادةِ شيءٍ ما.. شيءٌ مجهول.. غامِض.. ولا معاييرَ لفهمِه!

حينما واجهت اليقَظة.. كان أوّل ما قد داعبَ عينيها.. ضَوءُ الشّمس!
قاومَتهُ برمشاتٍ مُتتابعة.. ثُمَّ حالت بينها و بينه .. بيَديها! بانستثناء ما بين أصابعها..

استيقظت من نومِها.. لكنّها بقت على قيد حُلمها!
حاولت مِرارًا أن تقوم من على سريرِها.. لكنَّ ذاك الشّيء كان يشدُّها إليه.. لتبقى على هيئةِ المَوت.. و تنظرُ للحياة.. الشّبه مرئِيّة.. في آخرِ الأُفُق.. أو ربّما في ما بعد الأُفق!

ذلكَ الشّيء.. أشبهُ بالجاثوم.. في كلِّ مرّةٍ تحاول بها النّهوض.. كان يشدّها نحوَه.. كالمَوت!
تُحاول أن تنهض.. تتأوّه.. و تُقاوِم التأوّهَ بالتّأوُّه!!

كانت تحاولُ ألّا تتأوّه.. كي لا تؤلمنا بألمها.. كانت تنظُرُنا نرقبُها تتأوّه.. بكلّ عجزنا.. كانت تراهُ ولا نراه!.. تفهمُنا و لا نفهمُها!! 

لذلك كانت مِرارًا تحاولُ كتمان آهاتها.. و في كلِّ مرّةٍ تفشل.. و تعلو نبرتها بتِلك الـ "آه" !

استسلمت لِما قبلَ الموت.. و بقيَت أسبوعٌ في انتظارِه.. لكنّ ذاكَ الشّيء - شبهُ المَوت - قد رحل فجأةً.. و كأنّهُ قد سئِمَ منها؛ فقد طال وجوده.. و هيَ تأبى أن تموت!

في أوّلِ لحظةٍ لها بدونه.. و بعدَ أن تحرّرت منه.. جائتني و مِلءُ وجهها بسمة.. بِلا شعورٍ ابتسمت .. و بأعلى صوتٍ -داخلي- حمدتُ الله..

سألتُها: "كيفَ حالكِ الآن!"
قالت: "الحمدُللهِ كثيرًا يا ابنتي.. فإنَّ العافيةَ لا تُخبَّأ"

يااه.. عظيمةٌ حروفُها!

ظلّت مُتبسِّمةً حتى غابت الشّمس.. ثُمَّ استجمع قُواه .. و عاد!
عاد ذاكَ المجهول مرّةً أُخرى.. و استمرّ يُمارس لعبة الموتِ بعُنفٍ في كلِّ ليلة.. و يشُدُّها كالسّابق .. لتبقى حيّةً..  على قيدِ المَوت!
و نبقى نحنُ مرةً أُخرى نُواسي الأرفُف التي أثقلتها عُلَبُ الأدوية!

ظلَّ أبي و أختي برفقتِها طيلة اللّيل.. يَرقبون تأوّهها و صِراعها!

و بعدَ مرور الكثير من التّعب.. حتّى طغى التّعب.. و طغى اليأس.. لم تكُن قادِرةً على القِراءة.. فبعد غدٍ هوَ موعدُ اختبارها.. الذي كانت تنتظرهُ منذُ عشرون عام!
كانت تريد أن تقرأ.. فقط تقرأ!
كي تبتعِد عن الخطأ.. لكنّها لم تستطيع!

واستمرّ ذاكَ الغموضِ بشدِّهِ لها.. حتّى انتهى وقت الاختبار.. و ضاعت سنون الانتظارِ تلك!

في الحقيقةِ هيَ لم تضِع.. كانَ الضّياع مجرّد شعور مُسَيطر في لحظةِ يأسٍ رُبّما.. أو شِبهُ يأس!

ثمّة قوّة.. كانت تُساعدنا طيلة هذهِ المأساة! 

قُدِّمَ عُذرَ التّغيّب عن الاختبار.. و غاب ذاكَ الغامِض.. بقى لهُ أثرٌ يرسمُ عقدةً بين حاجبيها.. و يُقطِّعُ أنفاسَها .. لكننا اعتدنا أن نُداريها.. فيذهب ..
وهكذا.. عادت لنا كما عهِدناها.. 
لكَ الحمد يا الله ..

قد لا يكونُ مناسِبًا أن أقولَ قصّةً كهذِه.. لكنّها المرّة الأولى التي أشعر بها أنّني أغصُّ بقِصَّةٍ لا تُكتَب.. و لا سبيل للرّاحة من هذهِ الغصّة .. سِوى أن أكتُب.. و كانت هذهِ قصّتي!


أودُّ أن أُغيّر محور حديثي الآن.. لأنَّ الحديث الذي في قلبي لا ينتهي..

حقيقةً أنا لا ألجأ إلى الكِتابة إلّا عندما أحزن.. الفرح لا يجعلني أشعر بحاجةٍ للكتابة.. الحُزن أوّل من اكتشف ما لديَّ من فنون.. و بهِ أُمارسها ..

فالحُزنُ فنّ.. و الفنُّ حُزن!

كل أصحاب الفنون الذين تعرفونهم.. قد اكتشفوا فنونهم بأحزانهم.. و يُمارسونها بالأحزان..
يملّون فنّ الحُزن.. فيهربون منه إلى فنٍّ آخر مُخبّأ بدواخلهم.. و تُطربون أنتُم له!

المُغنّي حين يتأرجح على السِّلّم الموسيقي.. هكذا هوَ يهربُ من الحزن!

الرسّام حين يرسم.. هوَ هكذا يهرب من حزنه!

الكاتب حين يكتب.. هكذا يهرب من حزنه.. و يشرح شعوره.. كي لا يفهمهُ القُرّاء.. 

كلُّ أصحابَ الفنِّ هؤلاء.. جميعُهم يهربون من أحزانهم.. يهربون منها إلى فنٍّ آخر.. بطريقةٍ لا إرادية!
و بطريقةٍ لا إراديةٍ أُخرى .. يُطرَبُ النّاس لانعكاسات أحزانهم هذِه.. و بطريقةٍ لا إراديّة أيضًا .. يشكرونهم على ذلك!

قد يكون الحزنُ صفحةً بيضاء.. نَكْرَهُ بياضها لسببٍ مُتنكِّر!
نُلوِّنُها بفنٍّ.. ثُمَّ نُلهِمُ باقي الحَزَانى.. بِحُزننا!

ثُمَّ بحزنهم يتفنّنُوا.. و يُلهموا مَن بعدهم.. و هكذا..!
حتّى نموتُ نحنْ.. و يبقى الحُزن!

فتفكّروا لِمَ قد خلقَ اللهُ الحُزن؟ و كيف ستبدو الحياةَ بلا حزنٍ.. و فنّ؟!

لذلك.. خلِّدوا أحزانكم بأجملِ الصُّوَر.. كونوا قريبين من أحلامكم بأحزانكم.. تفائلوا.. و تفائلوا جيّدًا.. حتّى يكونُ الحُلم حقيقةً و يكونُ الحُزنَ فنّ.. و يبقى!